Site icon موقع قراية

العطلة المدرسية راحة أم مواصلة للمراجعة

مفهوم العطلة يُفرغ من معناه الحقيقي وتصبح فترة المراجعة المكثفة للتهيؤ لإجراء الامتحانات ويتم الأمر بإشراف أسري مباشر قد يسلط ضغوطا إضافية على التلميذ ما قد يفقده توازنه الذهني والنفسي.
ترسخ في أذهان المجتمع أن مفهوم العطل المدرسية يختزل في انقطاع التلاميذ عن المدرسة كمكان وكالتزامات ودروس، إذ تعتبر محطة للراحة واسترداد الأنفاس بعد ثلاثية أو سداسية، بحسب نظام العطل المعمول به، من بذل الجهد في المدرسة وفي الفضاء الأسري. يصحّ هذا القول إذا كان الجميع، المنظومة التربوية نفسها والعائلة ومن ورائها أفراد المجتمع، يسمحون بذلك ويهيئون له الظروف المناسبة ليتجسد على أرض الواقع.

هذا المفهوم عار من الصحة وأسباب ذلك كثيرة ومتعددة ولعل أبرزها طبيعة المنظومة التربوية، ذلك أن محاور الدروس في كل المواد الأدبية أو العلمية أو الاقتصادية تتوزع على فترات زمنية تمتد من انطلاق السنة الدراسية على مرحلتين؛ الأولى قبل العطلة والثانية بعدها، وكلاهما تشمله الامتحانات في ما يسمى الفروض العادية أو فروض المراقبة.

فالتلميذ منطقيا أجرى بعض الفروض قبل العطلة أما أغلبها ينجز بعدها، ما يعني بالضرورة التهيؤ الجيد والاستعداد الأمثل لاجتيازها، وهو ما يعني أيضا أن العطلة لم تعد تساوي الراحة بقدر ما هي امتداد طبيعي لمواصلة الدراسة وربما بنسق أكبر وأسرع. السبب الثاني يتصل بمستوى التلاميذ المتوسط أو الضعيف لدى الغالبية العظمى منهم ما يستوجب القيام بدروس دعم لتفادي النقص المعرفي والتحصيل البيداغوجي. ويتم الأمر بإحدى ثلاث طرق؛ أولاها تنظيم دروس دعم من إنجاز بعض المدرسين بالتنسيق مع إدارة المؤسسة التربوية تشمل خاصة تلاميذ الأقسام النهائية في ما يطلق على تسميته مثلا بـ”منتدى الباكالوريا”، وتقام دروس الدعم في هذه الحالة مجانا وتحت رعاية الإدارة.

أما الطريقة الثانية فتتمثل في الانخراط في الدروس الخصوصية خاصة في المواد الأساسية كالرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية وبعض اللغات كالفرنسية والإنكليزية، وهذا الأمر يصاحبه لغط كبير وجدل حاد في جميع الأوساط، الرسمية منها وغير الرسمية، ويسلط فيها اتهام مباشر على المعلم أو الأستاذ كونه يتعمد القيام بذلك ويهيئ له الأمر بعدم القيام بعمله في الفصل على الوجه الأكمل.

الواقع أن جميع الأطراف مساهمة في تفشي الدروس الخصوصية بما فيها الرسمية، فالبرامج لا تتناسب زمنيا مع التوقيت المخصص لها ما يجعل المدرس غير قادر على إتمامها أو على الأقل إبلاغها بيداغوجيا على أحسن وجه. ثم إن أولياء الأمور هم من يبحثون عمّن يدرس أبناءهم وفي بعض الأحيان هم من يعرضون مقدار الأجر وبالخصوص الميسورين منهم، ثم يشتكون بعد ذلك بأن الدروس الخصوصية أنهكتهم.

أما التلاميذ فيعمد بعضهم إلى التراخي والتكاسل في القسم ويتعمدون ذلك على اعتبار أن الدرس الخصوصي أفضل في نظرهم لحرص المدرس من ناحية ولقلة عدد المتمدرسين من ناحية ثانية.

الطريقة الثالثة تقليدية تتعلق بالأسرة فتعمد الأم أو الأب لمساعدة أبنائهما خاصة في المرحلة الابتدائية على الدعم والاستعداد الأمثل لإجراء الامتحانات المبرمجة بعد انتهاء العطلة مباشرة إذا كانا مقتنعين بقدرتهما على الإفادة وبعدم جدوى الدروس الخصوصية.

فمفهوم العطلة يُفرغ من معناه الحقيقي وتصبح فترة المراجعة المكثفة للتهيؤ لإجراء الامتحانات ويتم الأمر بإشراف أسري مباشر قد يسلط ضغوطا إضافية على التلميذ ما قد يفقده توازنه الذهني والنفسي.

ليست للعطلة ارتدادات على التلاميذ فقط وإنما لها تأثيرات عميقة على النسق العادي لحياة العائلة، فبعدما كان الجميع ينضبطون لتوقيت الاستيقاظ فيجتمعون حول طاولة فطور الصباح، ويغادرون الفضاء الأسري كلا إلى وجهته، ثم يجتمعون مجددا في المساء فيدرس الأبناء ثم ينام الجميع في توقيت محدد وموحد، فإن النظام ينخرم في العائلة وتتبعثر مواقيت الأكل والمراجعة والنوم وحتى مشاهدة التلفزيون.

أما انعكاسات العطل المدرسية على المجتمع فهي كثيرة، منها بعض الركود الذي يصيب العديد من القطاعات في مقدمها قطاع النقل رغم تخصيص ما يسمى بالنقل المدرسي، فيقل الازدحام والاكتظاظ في الحافلات وعربات المترو. وتقل الحركة في الأماكن العامة وتنخفض وتيرة المعاملات التجارية، فمحال بيع الأكلات الخفيفة تعاني من الكساد وخاصة منها التي تركز أنشطتها بالقرب من المدارس والمعاهد والكليات ويكون التلاميذ والطلبة أبرز روادها، حتى أن بعضها يغلق أبوابه في العطل المدرسية شأنه شأن التلاميذ.

المكتبات التي تبيع اللوازم المدرسية والتي تتركز أنشطتها حول المؤسسات التربوية تكسد تجارتها أيضا لانقطاع التلاميذ عنها وقد تغلق أبوابها إلى حين عودتهم.

أما ما يزدهر في العطل المدرسية فهي فضاءات الترفيه كالمنتزهات والحدائق العمومية وفضاءات الألعاب التي يؤمّها صغار التلاميذ في المرحلة الابتدائية بالخصوص. كما تعجّ المكتبات العمومية بروادها التلاميذ على غير العادة في العطل، ونادرا ما يكون ذلك من أجل المطالعة بل من أجل مراجعة الدروس للاستعداد لاجتياز الامتحانات.

عموما تجب مراجعة العطل المدرسية وجعلها محطّة فعلية للراحة وتجديد النشاط لا مواصلة للجهد التلمذي ولا يتم ذلك إلا إذا وعى الجميع بجوهر الإشكال في البرامج وفي بنية العقلية التلمذية والأسرية والاجتماعية للنهوض بقطاع التربية والتعليم بما في ذلك نظام العطل.
عن العرب
عبدالستار الخديمي

Exit mobile version